دمعة قمر في رواق الساهد

مريت بقسم الشعر ولقيت الرواق
لا هوي بالأرض ولا بالسماء
معلق ما بين البينين
وعرفت إن الساهد مر من يومين
وسرحت بالموضوع وتسائلت شو كان صار
لو الرواق انبنى بأول المشوار
سبحان من دبر الدني وغير الأحوال
غيرو ما بيبئا بنفس الحال
شو العمل يا ترى والفكر متصحر
الشكوى لغير الله شو بتقدر تغير


بقيت كم يوم أروح وأرجع من الرواق
أحاول الكتابة وتمر الساعات
لا يطلع التعبير ولا القلب يرتاح
لكن الفرج جاء بيوم ماطر
أربع سطور روقت البال والخاطر
فقلت للساهد

أشــكــي الـجـفــاف وشـكـوتــي لله
أشـكـي التصـحـر وأسـألـه الـغـفـران
مـزنــن حـركـهـا الـهــوا بـعـيـد مــنــا
واحساسي ضغط قبل لا ينفجر بركان


كنت سعيدة إني كسرت جدران كان تحيط بقلمي وفكري
وبنفس الوقت متى ما رجع الساهد يعرف سبب سكوتي

وعاد الصمت الرهيب في الرواق
وعادت العناكب تبني أعشاشها فيه
أزوره في كل فترة لأرى كمية الأغبرة التي تراكمت فيه
ترك الساهد فراغا كبيرا ليملأ ما هو يشغله حقا بكل وجوده

واقترب العيد وانشغل الجميع بالتهنئة
ولا أدري لم شعرت بثقل كبير في صدري
فأفرغته في الرواق وكأنما أعيد بيتا بناه أجمل شعور للعيد


العيد قرّب وفـي العيـد أبهديـك
مير كل الهدايا ما تعبِّر عن شعـوري
الشعر يحـلا يـا الساهـد لبيـك
عساه يوصفلك إحساسي وسروري
ما ينشـرا بالمـال شـيٍ يشريـك
يكفيك من القلب تذكرة العبوري؟
الكرم شيمتنا .. والـروح تغليـك
جيتك اطلب السموحة على قصوري

رأيت الأبيات وخفق القلب طربا
وهل أجمل من عيدية في وقتها ؟
أبياته أحيت ذاك الركن الخفي مني
ركن الشعور
وكأن أغنية فضل شاكر "العام الجديد" في خلفية الأبيات
لم يأخذ الرد مني تفكيرا مطولا
لا أدري كيف انساب الحبر على الورق وانساب الشعور معبرا

فقلت


قالو وين الحبيب اليوم ووين هدايا العيـد
من مرو واناظرهم كل من حبيبـه معـه
وين اللي كتبتي به قصايد ونزف له الوريد
علام اليد على الخـد كنـك متلوعـه
ما درو ساكن الحشا وقلبي بـه سعيـد
كل من عيده يوم وعيدي عمري معـه
كل يوم الورد منثور وله الشموع تقيـد
ما تّقارن بالهدايا شوفه وشمـه ومسمعـه



وشعرت لدى انتهائي براحة كبيرة
وتركت الأمر للقدر بكل رضا

كان في الانتظار
وكنت أيضا أحيا عليه
أنتظر ماذا ؟ هذا ما كنت أجهل
وفي تلعثم المشاعر واختلاف الليل والنهار
وكأن القدر يأبى أن نكون سويا في نفس المكان ونفس الزمان

وجدت نفسي أتحدث عنه .. فقلت

يرثي الشوق غيابه والجفـا
ما قط خطر الهجر على بالي
لو يسمع ونات الخفوق مـا
خلا الجفا يختبـر احتمالـي
أنشده يالليل يرد لي تكفـا
قله يسامرنا ساهد(ن) قبالي

كانت تلك فترة الصيف الماضي
وكنت قد انشغلت في رحيلي من بلد إلى بلد
لا أنكر أن الشوق للموقع كان كبيرا
لكن ما باليد حيلة
إن دخلته، شغلني عن مهامي
حياة جديدة .. بيت جديد .. طقس جديد وأجواء مختلفة
وأنا والوقت في سباق لأعود بين أحبتي في المنتدى

وما أن انتهت الأمور الأساسية حتى أصيبت عمتي الكبرى بجلطتين في ليلتين متتاليتين
وعادت حياتي دوامة من جديد .. بين المستشفى والبيت والفنادق التي حوت كل أفراد العائلة من كل بقاع الدنيا
ألهاني الخوف على عمتي وضيافة زوار العائلة مع أبناءها وبناتها
فقد كنت من القلة المسموح لهم بالقاء بقربها
وكنت الوحيدة المسموح لها من قبل الأطباء بإعداد طعامها
وفي ليالي ترقب الشفاء أو الموت
في ليالي لم يسامرني بها سوى صوت جهاز ترقب أنفاس ونبض عمتي
اشتدت الآلام على يدي .. ولعله الإرهاق
وشد الأعصاب المستمر

كان الحنين لحافي
والرجاء وسادتي
والدعاء أنشودتي
وذكر الله لا ينقطع عنه لساني

الحمد لله
استجاب الله دعاء الجميع .. وعادت عمتي لبيتها
وعاد زوارنا من حيث أتوا
وركضت مسرعة إلى المنتدى فاحتضنتني أبيات الساهد مرحبة بقوة

كنت أسعد ما أكون لأعرف أن رفيق الروح باق على وده ووفاءه
لم أشهد وفاءا في إنسان يضاهي وفاء الساهد
هذا الصديق المجهول الذي لا يعرف شيئا واحدا في حياتي
ولا أعرف لم اختارني ليصاحب صوتي صوته في دويتو استمر سنين
وما الذي يبقيه مستمرا في مناجاتي
بينما الإناث والذكور حوله كالفراشات في حقل زهور بفصل الربيع

تساءلاتي لم تكن لتفسد علي فرحتي الكبيرة
فلست غبية لأتنكر لنعمة الخالق
بل علي معانقتها فورا .. تقديرا وإجلالا

فقلت

بــي مــن الـشـوق طـعــونٍ ... ما لها غير نار ترحابك مداوي
بالفـطـر عـيـد مــن الـصــوم ... ومـلـقـاكم مع العيد متسـاوي


فرحتي كانت كبيرة جدا
لكن لم أشأ أن أترك بقية الأحبة في الوقت الراهن
لربما ذلك كان سيجرح مشاعرهم
فاكتفيت بالبيتين وأنا على قناعة بأن المغزى قد وصل

لا أعرف كيف وصل الحال إلى ما آل عليه
آلام يدي التي باغتتني أثناء مرض عمتي لم تكن لتذهب
قل دخولي للموقع بسبب قلة قدرتي على الطباعة
وكنت أتحاشى التردد على الرواق
لعل شيئا بداخلي أخبرني أنه انقطاع نهائي هذه المرة
وخضعت لعملية في أعصاب اليداليمنى
وبات مستحيلا أن أتحكم بالأمور
فلو دخلت الموقع سأصاب بالجنون لانعدام قدرتي على الرد كما اعتاد الأحبة مني
وطال انتظار التعافي
وبعد ستة شهور من إلحاح الأصدقاء على الهواتف
دخلت وحاولت أن أكون ما كنت عليه
لكن الأمر اختلف علي هذه المرة
ولم أدخل الرواق حتى لا تلهمني أبيات الساهد ولا تحزنني مشاعره
كنت أظن أنني لو بقيت بعيدة سيسكن الرواق سواي
وسأصبح صورة معلقة على أحد جدرانه
وحملت ذكرياتي وخرجت في هدوء
بقرار عدم العودة

غريبة هي الدنيا
نفقد الشيء عندما نظن أننا أقرب ما نكون إليه
أؤمن بمقولة إنجليزية
إذا أحببت أحدهم أطلقه حرا
إن عاد طائرك كان لك
وإن لم يعد .. لم تكن له

وشاء القدر لنا بداية جديدة
مباركة كانت .. واجتمعنا عبر الأصدقاء الأوفياء من جديد

في الرواق التقينا

وله الوفاء منا

أعدنا إعماره بماضينا

واليوم نبدأ بإعادة تصميمه الداخلي

هو منزل شعرنا وشعورنا





كم صاحب الرواق من شجن
كم عانق الفراق واللقاء
قد أزهر يا صاحبي الفنن
واجتمع الفجر والمساء
يا ساهدا في ليلي قد سكن
أنعم به من خيرة الشرفاء
أبى الزمان لنا الفراق وأن
يأبى الزمان ما لنا بدواء
هلا عمرنا رواقنا فإذن
ولتقس أو تحلو الحياة سواء
لا للفراق شعارنا ولنحتضن
عشاقنا بالشعر كل مساء
أقسم عليك لا تدعني للزمن
إما وصالك أو يكون فناء
هذا الرواق بناه شعرك فليكن
دارا لنا تعج بالأسماء