جبل كوردستانصلاح الجوهري
الحوار المتمدن
غزت في الآونة الأخيرة المحطات الفضائية العربية الكثير من المسلسلات التركية حيث شهدت تركيا انتعاشة ولو قليلا في صناعة الدراما وتصديرها إلى الدول المجاورة. ولم أكن أتخيل أن تصل الدراما التركية حدها حتى في السياسة أيضا.
تدعي تركيا الآن أنها المحامي عن أهل غزة وأن ما يحدث لغزة من حصار إنما هو غير إنساني وأن قافلة الحرية التركية كانت بهدف تقديم مساعدات إنسانية.
يالها من دولة رءوفة رحيمة تهتم بالإنسانية وتتعامل معها بحنان. يا لها من شعور رقيق ينم عن إنسانية مفرطة تجاة شعب غزة !!!
إن تاريخ الأتراك قديما وحديثا يخبرنا بأن ما تفعله تركيا الآن ما هو إلا تمثيلية تداعب أموال الزفت (النفط) الخليجي الذي بسببه تلوث تاريخنا، ماضينا وحاضرنا.
أن الأتراك لا يقلون همجية ووحشية عن الإسرائيليين، بل يمكن أن يتجاوزوهم بمراحل. فتاريخ تركيا أسود ملوث بدماء الضحايا منذ قيام الدولة العثمانية وإلى الآن. يعانوا أقلياتهم من الأرمن والأكراد قرونا عديدة. فكيف تتبجح تركيا الآن وكأنها المدافع عن الإنسانية ؟؟ أليس من باب أولى أن تهتم بهؤلاء ولو حتى إنسانيا؟؟ اليس من المنطقي أن تهتم تركيا بمشاكلها الإنسانية الداخلية قبل أن تهتم بمشاكل جيرانها؟
في عام 1915 قام الأتراك العثمانيون بمذبحة كبرى ضد الأقلية الأرمينية راح ضحيتها أكثر من مليون أرميني بحجة أنهم يتعاونون مع الروس، فأنزل الأتراك عقابا جماعيا لا يفرق بين رجل وسيدة بين طفل وفتاة، تماما كما فعلت إسرائيل في غزة. واليوم يطالب المجتمع الدولي بتحقيق كامل وواسع عن هذه المجزرة والتى وصفها التاريخ بأنها أكبر إبادة جماعية تاريخه حدثت بعد الهولوكوست الألماني ضد اليهود.
تحتل تركيا شمال قبرص وأقامت دولة علم 1973 لا تعترف بها إلا تركيا وهي جمهورية شمال تركيا، وهو احتلال أشبه بالاحتلال الإسرائيلي، وأشبه باحتلال الجزر الإماراتية من قبل الإيرانيون. هذه الاحتلال كان محل انتقاد الدولة العبرية عام 2009 في مؤتمر دافوس وكان ردا على تدخل تركيا في شؤون أسرائيل منتقدة الحرب على غزة.
في 17 أكتوبر عام 2007 أقر البرلمان التركي تكليفا للقوات المسلحة بضرب الأكراد شمال العراق، الأكراد الذين عانوا من المطرقة والسندان، صدام حسين وتركيا. ليس إلا أنهم يطالبون بإقامة دولة مستقلة لهم كما يطالب بها الفلسطينيون في غزة.
ولعل هذا الموضوع هو لقمة الحلق الواقفة أمام انضمام الأتراك للاتحاد الأوروبي.
مازال الأتراك إلى اليوم يتنصلون من كل تلك الجرائم محاولين أن يداعبوا المجتمع الدولي وأوروبا بأنها دولة علمانية تعطي حقوقا للأقليات تماما مثلما تعطي لمواطنيها بل أنه ذهبت أبعد من ذلك بافتتاحها نواد للعراة على أراضيها، ومنعها الحجاب في بعض المواقع، وكذلك دفعها للتيار العلماني الذي أسسه أتاتورك. ولكن يبدو أن أوروبا لا تنخدع بسهولة بتلك الظواهر بل أنها تنظر إلى هذا الانضمام من باب العملية السياسية حيث ستحتل تركيا أكثر المقاعد في الإتحاد الأوروبي كونها ستكون أكبر دولة من حيث عدد السكان بحلول عام 2015.
كذلك داعبت في الماضي الاتحاد الأوروبي بأن قامت تحالفا وتعاونا مع إسرائيل وكأنها تقول لأوروبا نحن والإسرائيليون في تحالف ولسنا كالمسلمين في الشرق الأوسط الذين يعادون الدول العبرية، فالتحالف مع إسرائيل هو رسالة لأوروبا لا أكثر.
فبعد أن نفذ صبر الأتراك بالانضمام للإتحاد الأوروبي أخذ الأتراك منحى أخر وهو الاهتمام نحو الشرق الأوسط وخلق تحالفات جديدة بعيدا عن الاتحاد الأوروبي، الذي لا طائل منه. وهذه التحالفات الجديدة بين تركيا والشرق تعمل على ضرب عصفورين بحجر واحد.
أولا: مداعبة دول الزفت (النفط) لكي ما تستثمر في تركيا اقتصاديا ودينيا، فتصدير الفكر الوهابي اليوم هو على أشده في المنطقة حيث تصرف السعودية وحدها ما يقرب من 70 مليار دولار لنشر الدعوة،. فلما لا ينوب تركيا من الحب جانب؟! فظهور حزب العدالة والتنمية ذو التوجهات الإسلامية دعم هذا الاتجاه. كذلك ساهم في إنشاء منطقة تبادل اقتصادي بلغ 10 مليارات دولار بن إيران وتركيا. يقول أمر الله أوزلو، المحلل المتخصص في الشؤون التركية بمؤسسة جيمس تاون ، وهو مركز بحثي في واشنطن: إن إيران تنظر إلى تركيا باعتبارها منفذاً على الغرب". يذكر أن تركيا هي البلد الوحيد الذي يمكن للإيرانيين دخوله دون تأشيرة.
ثانيا: تهديد أوروبا بأن تركيا لها حلفائها العرب المسلمين الذين ممكن أن يكون لهم وجود بالقرب من الاتحاد الأوروبي ويؤثروا على مستقبل الاتحاد بالاستقواء بدولة قوية كتركيا مدعمة بأموال النفط، والتي تشترك مع إيران والعراق وسوريا في حدودهم وبالتالي تنشط عملية تهريب أسلحة ومتطرفين من وإلى دول الجوار. كما أنها بعملية عزة على استعداد أن تخسر علاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل.
هذه النقاط ممكن أن تخلق تأثيرا وضغطا وتهديدا ضمنيا على أوروبا وأمريكا معا لأنه من السياسة الناجحة التي تنتهجها أوروبا وأمريكا اليوم هو تحويل الدول الحيادية إلى دول متحالفة لا تحويلها إلى منحازة للأعداء، وهنا الأعداء هم العالم الإسلامي التي يمثل خطرا حقيقيا على الاستمرار البشري في العالم.
فلا عجب أن تتحمس تركيا اليوم من أجل قضية غزة تلك القضية التي كانت موجود وقائمة عندما تحالفت تركيا مع إسرائيل عسكريا بصفقات السلاح وبالمناورات المشتركة كالتي تمت في أغسطس عام 2009. فقد كانت غزة محتلة من قبل حماس وكانت تحت الحصار. بل أن إسرائيل كانت خارجة من حرب على القطاع عام 2008.
فإن تركيا أدركت بأن الاهتمام بقضية الشرق الأوسط سيجعل من تركيا الدولة المحورية في المنطقة ويضمن لها الإستمرار في قيادتها لها، لما تمثلة من موقع جغرافي متميز وأيضا بسبب توجهاتها السياسية المتباينة، فتركيا قادت عام 2009 محادثات سرية بين سوريا وإسرائيل حول السلام بينهما وكذلك لها دور وسيط بين طهران والولايات المتحدة لتقريب وجهات النظر في الملف النووي، كذلك لعبت تركيا دور الوسيط لحل الصراعات بين الحوثيين و الحكومة اليمنية.
والآن التمثيلية التركية في الضغط على إسرائيل لرفع الحصار عن غزة من أجل عودة العلاقات التركية الإسرائيلية. هذه تمثيلية لأن تركيا تعلم تماما أن إسرائيل لا تستجيب للضغوط الدولة خاصة فيما يتعلق بأمنها القومي وبقتل الفلسطينيين، ولكنها تمثيلية تهدف من خلالها إلى تبيض ماء وجهها أمام المجتمع الدولي كدولة لها ضحايا في قافلة الحرية ولابد أن تدافع عن مصالح مواطنيها. أيضا تلتزم بقيادة المنطقة وفرض الهيمنة ولعب دور الوسيط ومداعبة دول (النفط) لكي تؤثر وتضغط على أوروبا أو لجلب استثمارات النفط في أراضيها.
غزة بل والقضية الفلسطينية عامة هي بالنسبة للعرب الأبن غير الشرعي الذين يحاولون التنصل منه ولكن في نفس الوقت ملتزمون بنفقته. فالدول العربية كافة لا تقوى على تبني القضية الفلسطينية ولا تقوى على التورط بها لأسباب عديدة لا مجال لذكرها.
لتركيا تاريخ دموي وأسود ولا تختلف عن إسرائيل في شيء فالماضي شهد مذابح العثمانيين ضد الأرمن واليوم نشهد القصف المتوالي لحزب العمل الكردستاني شمال العراق. حيث عارضت تركيا قيام دولة كردية على أراضي عراقية. وهددت بمحوها من على الخريطة حال قيامها. كذلك استمرار احتلالها شمال قبرص.
ماذا لو فعل إسرائيل بالمثل، ترسل مساعدات إلى الأكراد في شمال العراق عن طريق المياه الإقليمية التركية، هل ستقف تركيا مكتوفة الأيدي وهي تنظر إلى خرق واضح وصريح لمياهها الإقليمية وتشاهد مساعدات تذهب إلى الانفصاليين الكرد الذي تعتبرهم تركيا أعداء.
ماذا سيكون موقف الحكومة التركية من تلك المساعدات؟
طبعا سيكون رد الفعل التركي قويا وحاسما ولن يقل بأي حال من الأحوال عن التصرف الذي فعلته الدولة العبرية.
ولكنها لأنها تمثيلية فإنها لن تخيل إلى على السذج وأصحاب العقول الضحلة الذين يتوهمون أن في يوما من الأيام أن تركيا ستعيد لناغزة وفلسطين.
ما أشبه درامتهم بتلك التمثيلية.
كل اوقاتكم عسل
تحياتي
كاكو