لم يفارق الخوف طيلة السنوات المنصرمة مئات العوائل العراقية التي تسكن ضاحية المدائن جنوب شرق بغداد، بسبب قربها من مفاعل الطاقة الذرية بالتويثة والذي تعرضت محتوياته بعد الغزو الأميركي للنهب، ومنها براميل بلاستيكية استخدمت لتخزين المياه.
وفي غياب أجهزة الإعلام وعدم معرفة الأهالي بماهية المواد التي أفرغوها من تلك البراميل قبل استخدامها، مثلت الإشعاعات التي كانت بها تحديا كبيرا للسكان بعدما علموا لاحقا بخطورتها، فتخلصوا منها بالحرق أو الطمر، بيد أن هاجس الخوف من آثارها لا يزال يراودهم.
ومع ذلك ما زالت المخاوف تلازم الكثير من العوائل، ولا يستبعدون وجود إشعاعات خطيرة داخل بيوتهم، مصدرها لا يقتصر على تلك العبوات التي وصل ما بداخلها إلى أجساد مئات الآلاف من العراقيين.
ومكمن الخطورة الآخر هو أن استخدام تلك البراميل لم يقتصر على منطقة المدائن، إذ هناك من أهدى أقاربه بعض تلك البراميل، وثمة من تاجر بها، لتتنقل إلى أماكن واسعة.
إشعاعات أخرى
هناك مصادر أخرى للإشعاع أبرزها -كما يقول مدير شعبة الكوارث في وزارة الصحة الدكتور هيثم سعدي إبراهيم- الأسلحة التي استخدمها الجيش الأميركي إبان الحرب وأثناء قصف بعض المدن والأحياء المدنية.
وأكد إبراهيم في حديث للجزيرة نت أن امتدادات اليورانيوم المنضب الذي يتم طلاء بعض القذائف والصواريخ به، قد يصل إلى كل مكان بما في ذلك المباني والبيوت، ولا يستبعد أن يكون هذا الانتشار بنسب ضئيلة لا يتم اكتشافها، إلا أنها قد تتسبب بالتقادم الزمني في أمراض سرطانية.
ومن جهتها أكدت الباحثة العراقية شيماء جبار عبد الرزاق أن الإشعاعات لا يقتصر وجودها في التربة والمياه والفواكه والخضر كما يتصور الكثيرون، بل إنها تنتشر في الأبنية والمنازل، وأن انتشار الإشعاع يمتد من مدينة الحلة مرورا بالعمارة والناصرية وصولا إلى البصرة.
وأشارت الباحثة في دراستها المقدمة لجامعة بابل، إلى أن ذلك لا يعني خلو مناطق العراق الأخرى من هذه الإشعاعات المسببة للأمراض السرطانية.
غاز الرادون
وحددت شيماء نوع الإشعاع الخطير وهو "غاز الرادون" الذي تصفه بأنه وحيد الذرة وخامل كميائيا ومشع وموجود في الطبيعة، وهو عديم اللون والرائحة والطعم وشديد السمية.
وازداد حذر العراقيين من الأماكن التي تعرضت للقصف الأميركي إبان الغزو، بعدما كشفت مصادر صحية وجود إشعاعات في مطعم يقع داخل بناية في ساحة التحرير وسط بغداد، حيث تعرض المبنى لقصف شديد خلال الغزو الأميركي عام 2003.
غير أن الناطق باسم وزارة الصحة الدكتور صباح كركوكي قلل من حجم هذه المخاوف التي تنتشر بين العراقيين.
وقال للجزيرة نت إن أجهزة وزارة الصحة وبالتعاون مع وزارة البيئة تواصل جهودها في متابعة نسبة الإشعاع في المناطق التي يعتقد أنها أكثر تلوثا من غيرها، ويؤكد أن المخاطر موجودة لكنها ليست بالحجم الذي يتحول إلى خوف وهلع.
ومن جانبه يقول مدير قسم الطب الإشعاعي بوزارة الصحة الدكتور شاكر كاظم إنه لا أحد ينكر ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وخاصة بعد عام 2003، وهذا ما رصدته العديد من المنظمات الدولية المختصة.
وطالب كاظم في حديث للجزيرة نت المنظمات والجمعيات بزيادة الدعم للعراق في مجالات رصد وكشف الإشعاعات، وفي علاج الإصابات السرطانية التي يقول إنها تنتشر في مناطق جنوب العراق أكثر من المناطق الأخرى.