دمعة قمر في رواق الساهد

في تلك الفترة كانت دمعة قمر على شفا حفرة من ترك الشعر
خلع ثوبه وبيع أبجديته
تتجول في أروقة المنتدى قارئة محاولة التواصل مع الكلمة والشعور المخطوط

وفجأة لمحت اسمها من بعيد وبقربه اسم الساهد
فدخلت مسرعة لتجد مناجاة الساهد ترتجي دخولها منذ أيام

حزنت دمعة قمر إذ خشيت أن يظن الساهد أن مناجاته لا تعنيها أو أن مشاعره لم تقدر لديها

فبقيت تقرأ أبياته النبطية الرائعة .. تحيا حروفها
تتعطر بمشاعرها
تمتص أجواءها حتى استطاعت دخول الرواق

فبادرته أخيرا مجيبة إياه

دعانا ساهد الطرف لحـداه وبالمهلـي
من يرفض دعوة كريمن ما هو بمزيون
جيت أنثر الرياحين لاسمـك واحلِّـي
جية النشمي كحلن فـي كـل العيـون
نـوّر لياليـا وأمسـى علـى ظلـي
أعشق أدبْهْ أُويتركني قِصيدهْ مفتـون
يا الرّبـعْ عـلام الشعـر جِمَـلْ لـي
علام القوم مـا منهـم الـرد يهـون
عسـاه دوم لقـول القصيـد يجرنـي
مير ماني بشاعر ولا قصيدي مـوزون

وانتظرت أن يطيب خاطره بعض الشيء بمحاولتها للنبطي

تحلو الذكريات .. وكيف لا تحلو وهي تُحكى لأغلى الناس وعن أغلى الناس

ممممممممممم
طبعا دمعة قمر كانت جدا سعيدة بالرد
ورباعيات
شعرت بإنها شهرزاد
لكن ويا للأسف ما زال التصحر عندها الحال
واشتكى الشعر من سوء الأحوال
هي بتعرف إن الساهد في انتظار
لكن ملك الشعر كان منها طار
ومالكم بطول السيرة وبعد جهد جهيد
قدرت ترد عليه وهي تعاتب الشعر

فجاء في رد دمعة قمر

من قال إن القصيد أوزان وقوافي
وكلامن يركب بحور بليا سفينة
الشعر نبض القلب والاحساسي
واحة والمسافر راحته بها يرتجيها


بعتت الرد وهي متمنية يتحسن الحال وتقدر تجاري الساهد لأن خاطره غالي عليها

بعد ما كنت تركت ردي الثاني على الساهد
أصبحت في حالة انتظار
كان كلي أمل أن أعود لتلقائية إلقاء الشعر
الساهد كان صديق من نوع خاص جدا
ومن نوع غريب جدا
يظهر يوم ويغيب دهر
وصرت أشعر كل ما دخلت الرواق كمن يشعر عند فتح ألبوم صور ملقاً على رف أحدهم

والساهد لم يعد ..
وانشغلت بأمور عملي في المدرسة
وانهمكت بالتحضير وبصراحة المنافسة الشديدة بين المدرسات الأوائل وهالمنافسة وضعتني موضع لا أحسد عليه .. فكل ما قدمت الأفضل جاءني تحدٍ أكبر حتى ما بقي لي من نهاري سوى ما يكفي للنوم وبعض الأمور الأخرى
أوضاعي في المنتدى أصبحت رديئة أيضا وقل دخولي رويدا رويدا حتى تدخل القدر واضطررت للسفر
وأثناء سفري بدأت أحداث غزة

بالطبع الساهد لم يكن يعلم
وبالطبع أنا لم أكن أعرف أبعاد الرواق الحقيقية
كنت أظن أن الرواق محاورة بين شخصين يجذبهما الحديث شعرا .. لا أقل ولا أكثر
وأنا بطبعي عاشقة للكلمة ..
والساهج لم يوح لي خارج الرواق بأي شيء آخر

غبت أربعة شهور وبعدها دخلت المنتدى وبعد ايام قليلة حاولت من خلالها التواصل مع الموجودين
أعادني الشوق للشعر وللساهد إلى الرواق .. كنت أنتظر أن أقرأ مشاركاتنا القديمة فقط لكنني فوجئت

هذه الفترة كانت تمر غزة بأصعب الأوقات كما تفضل الساهد
وكنا نمضي أوقاتنا حتى ونحن بالمنتدى على سماع الجديد من الأخبار
المشاعر محتقنة غضبا وحزنا
لكن الساهد عاد وهو في الرواق
في الحقيقة هو لم يعد .. لكنه كان يدخل كلما سنحت له الفرصة

وتحت نفس الاعتقاد بما عليه قام الرواق حدثت الساهد عن مشاعري المتألمة .. لكن النبطي خذلني وخرج البوح شعبيا لبنانيا

رقصت حروفنا كثير في بستان الشعر....والكل ع غنانينا كان يتجمع
صار المصاب اكبير والحزن سكين.....يعمق جرحه بهالقلب وما يشبع
والحال ما يفرح والذهن متشتت.....والعين هجرها النوم ع غزة عم تدمع
بيسالني عن الغياب والسكوت.....ولاي سبب كل ما نادهني مابسمع
شو بجاوبك ياليت فيني عبر.....حروفي تبعترو مهما حاولت ماعم تتجمع
وين الغنا وين القصيد ووين كتاب المواويل.....قولك ايام الغزل شي يوم رح ترجع


الله لا يعيد ايام الحرب

وبقي الحال على ما هو عليه
ولم أجد من قد يهتم بأمر غزة أو مشاعري سوى الرواق
على أمل أن يعود الساهد يوما
كنت على قناعة أنه سيعود هذه المرة لأنني بنيت اعتقادا بأن الرواق والمنتدى كله ما كان إلا استراحة للساهد من واقعه الكثير الانشغال وصداقة فكرينا وروحينا في أمان

فبثيت سخطي ذات ليلة لدى إعلان وقف النار في الرواق
لم يكن يعنيني من يقرأ أو من يتابع سوى صديق الروح والفكر

بيفكرو بوقف النار رح تنتهي الازمي....وبقول الله يجيرنا من الاعظم
عتلو هم البنا وتنظيم الزحمي......وما عرفنا مين انفقد وع مين نترحم
لوين يروحو سكان المدرسي.....لحافن سما والبرد بكوانين ما بيرحم
جمعولن مصاري ليبنو بالغيمي....حترجعو البنيان كيف وهالباب ملغم

لم يكن أملي كبير في انتهاء الحرب تلك الليلة
ولم أعد أترقب عودة الساهد سريعا
في الحقيقة تركتني تلك الفترة امرأة مريرة لا تشعر بشيء